خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس : نعمة الماء ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م بعنوان : نعمة الماء ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 5 صفر 1446هـ ، الموافق 9 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نعمة الماء .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نعمة الماء ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : نعمة الماء ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م بعنوان : نعمة الماء ، للدكتور محروس حفظي :
(1) الماءُ أعظمُ النعمِ على الإطلاقِ.
(2) أسبابٌ تحجبُ نزولَ المطرِ مِن السماءِ.
(3) وسائلُ الحفاظِ على نعمةِ الماءِ في الإسلامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024 م بعنوان : نعمة الماء ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«نعمةُ الماءِ»
بتاريخ 5 صفر 1446 هـ = الموافق 9 أغسطس 2024 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس : نعمة الماء
(1) الماءُ أعظمُ النعمِ على الإطلاقِ:
إنَّ نعمَ اللهِ على الإنسانِ لا يَحدُّهَا حدٌ، ولا يُحصيهَا عَدٌ، ولا يُستثنَى مِن عمومِهَا أحدٌ، فهي نعمٌ عامةٌ، سابغةٌ تامّةٌ، ظاهرةٌ وباطنةٌ قالَ ربِّي سبحانَهُ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقال أيضاً:﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾، ومِن أجلِّ هذه النعمِ “نعمةُ الماءِ”، فهو سرُّ الوجودِ، وأرخصُ موجودٍ، وأغلَى مفقودٍ، وأساسُ الحياةِ كما أخبرَ ربُّنَا المعبودُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، وإنزالُ الماءِ أمرٌ بيدِ اللهِ – عزَّ وجلَّ-، لا بيدِ غيرِهِ، فهو القائلُ: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾، وهو مِن صورِ رحمةِ اللهِ بعبادِهِ، وقد يمسكُ رحـمتَهُ لحكمةٍ يعـلمُهَا سبحانَهُ ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، وقد وردَ ذكرُ لفظِ “الماءِ” في القرآنِ الكريمِ في “تسعٍ وخمسينَ آية، ووردَ لفظُهَا بمشتقاتِهَا أيضاً في أكثرِ مِن “مائةٍ وستينَ مرة”، وهذا يدلُّ على أهميةِ نعمةِ المياهِ وعظيمِ قدرِهَا في حياةِ البشريةِ، فلولا نعمةُ الماءِ لمَا كان في هذه الحياةِ إنسان، وما عاشَ حيوانٌ، وما نبتَ زَرْعٌ أو اخضرَّ شَجَرٌ، فمنهُ تشربُ، ومنه يخرجُ المرعى، وبهِ تُكسَى الأرضُ بساطاً أخضرَ، وتكونُ للناظرِ أجملَ وأسر، قالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾، وبهِ يكونُ الاغتسالُ والوضوءُ والاستنجاءُ قال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾، وشفاءٌ مِن الأمراضِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ» (متفق عليه)، ولمَّا أصابتْ الحُمَّى رسولَ اللهِ ﷺ في آخرِ حياتِهِ أمرَ بسبعِ قربٍ لم تحلَّ أوكيتهُنَّ لتُراقَ عليهِ، عن علقمةَ بنِ عبدِ اللهِ المزنِي عن النبيِّ ﷺ قال: «أيّمَا أحدٍ منكُم أخذهُ الوردُ فليصبَّ عليهِ جرةَ ماءٍ باردٍ» (مسند الحارث) .
إنَّ مِن الخلقِ مَنْ تَعوَّدُوا وجودَ النعمةِ وأَلِفُوهَا، فهم تحتَ تأثيرِ هذا الإِلْفِ، وهذهِ العادةِ قد ينسونَ قدرَهَا؛ لأنّهَا دائماً حاضرةٌ بينَ أيديهِم، فينسونَ شكرَهَا، ونعمةُ الماءِ لو فقدتْ ولو لزمنٍ يسيرٍ، حينهَا يعلمُ العبدُ عظيمَ فضلِ اللهِ عليهِ، وأنَّ فقدَهَا جسيمٌ، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾، كذلك عذوبةُ الماءِ نعمةٌ فلو كان مِلحاً أُجاجاً، فمَن يستسيغُهُ وينتفعُ بهِ قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾، فهي نعمةٌ تستوجبُ شكرَ اللهِ وحمدَهُ، لذا كان الماءُ مِن النعيمِ الذي يُسألُ عنه العبدُ يومَ القيامةِ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، ولقد كان ﷺ حفيًّا بنعمِ اللهِ يعظمُهَا ويشكرُهَا، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ، وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» (أبو داود).
إنَّ الماءَ جندٌ مِن جندِ اللهِ، ورحمةٌ مِن رحماتِهِ، فلقد رحمَ اللهُ بالماءِ نوحًا ونجَّاهُ مِن قومِهِ على ظهرِ سفينةٍ، وحملَ موسَى الرضيعَ وهو في التابوتِ على مائِهِ، ورحمَ اللهُ بهِ موسى وقومَهُ لمَّا استسقُوه، ورحمَ بهِ رسولَنَا ﷺ وصحبَهُ الكِرامَ يومَ بَدْرٍ، وثبتَهُم وربطَ على قلوبِهِم قالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾، وعذَّبَ اللهُ بهِ أقوامًا، فأغرقَ بالماءِ قومَ نوحٍ لمَّا كفرُوا باللهِ وخالفُوا أمرَهُ، وأغرقَ بهِ فرعونَ وجندَهُ بعدَ تفاخرِهِ بالماءِ ﴿وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾، فأعلمَهُ اللهُ قدرَهُ ونجَّاهُ ببدنِهِ؛ ليكونَ للناسِ عبرةً، وأغرقَ سبأَ بالسيلِ العَرِمِ قال تعالى: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس : نعمة الماء
(2) أسبابٌ تحجبُ نزولَ المطرِ مِن السماءِ.
اقتضتْ حكمةُ الخالقِ – جلَّ وعلا- في عبيدِهِ أنْ يبتليَهُم امتحاناً لهُم أو عقاباً، فيبتليَهُم امتحاناً لينظرَ ما يصنعون كما قالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾، وقد يبتليَهُم عقاباً لهم بسببِ مقارفتِهِم للذنوبِ والمعاصِي، فيظهرُ أثرُ ذلكَ بما يُجريهِ سبحانَهُ في الأرضِ مِن أنواعِ البلايا والمحنِ، فكلُّ ذلك إنّمَا يحصلُ بشؤمِ معصيةِ بني آدمَ كما قالَ سبحانَهُ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وإنَّ مِن أنواعِ الابتلاءِ الذي يُوقعُهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ- على عبادِهِ: جدبُ الأرضِ، وانحباسُ القطرِ مِن السماءِ، وقد نبَّهَ القرآنُ الكريمُ إلى ذلك في قولِهِ تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾، ولعلَّ ذلكَ راجعٌ لأسبابٍ كثيرةٍ منهَا:
أولاً: الكبرياءُ في الأرضِ، والتعالِي على الخلقِ، والافتخارُ بالمالِ، أو الجاهِ: فالغيثُ لا ينزلُ إلّا بإظهارِ التضرعِ للهِ، والانكسارِ بينَ يدهِ قالَ تعالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وقال أيضاً: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾، وهذا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِنَانَةَ، يقولُ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَنَعَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي؟ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَضَرِّعًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، وَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ» (سنن النسائي) .
ثانياً: التلاعبُ في تطفيفِ المكيالِ والميزانِ وغيرِهَا مِن المعاملاتِ الماليةِ والتجاريةِ: وهذا النوعُ، مِن العذابِ أرسلَهُ اللهُ على قومِ فرعون؛ تحذيراً لهم مِن التكذيبِ، لعلّهُم يذكَّرُون قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾، كما دعَا النبيُّ ﷺ على قريشٍ لمَّا كذبُوا وتعنتُوا، وجحدُوا آياتِ ربِّهِم، فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: “إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ ﷺ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا العِظَامَ وَالمَيْتَةَ مِنَ الجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجُوعِ، قَالُوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُم عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ (البخاري)، هذا جزاءُ الغشِّ، والمكرِ، وخداعِ الناسِ.
والاعتداءُ على الأموالِ إذا عمَّ وطمَّ، لا ينفعُ معهُ وجودُ القلةِ مِن الصالحين، ولا يحجزُهُ خوفُ مَن بقيَ مِن المتقينَ المخبتين، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» (متفق عليه) .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:”وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ” (ابن ماجه).
ثالثا: منعُ إخراجِ الزكاةِ: هو سببٌ مباشرٌ لمنعِ القطرِ مِن السماءِ، فعندمَا يحدثُ خللٌ في فريضةِ الزكاةِ، ويضنُّ الأغنياءُ على الفقراءِ والأيتامِ، ينشأُ عدمُ التوازنِ داخلَ المجتمعاتِ، وصدقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قال: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرَوْا إِلَّا بِمَا يُضَيِّعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ» (الطَّبَرَانِيُّ)، وعندئذٍ يأتِي العقابُ الإلهِيُّ لهذا الممتنعِ عن أداءِ زكاتِهِ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: … وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا” (ابن ماجه) .
لقد جسدَ رسولُنَا ﷺ مشهدَ مانعِ زكاتِهِ تجسيداً حيًّا يجعلُ المسلمَ يهرولُ ويسرعُ إلى إخراجِ حقِّ اللهِ في مالِهِ خوفاً مِن نزولِ العذابِ، وهرباً مِن أنْ تلحقَهُ لعنةُ كنزِهِ، فعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ: «يكونُ كنزُ أحدكُم يومَ القيامةِ شجاعاً أقرع، يفرُّ منهُ صاحبهُ، فيطلبهُ ويقولُ: أنا كنزُكَ، قال: واللهِ لن يزالَ يطلبُهُ، حتى يبسطَ يدَهُ فيلقمهَا فاه» (البخاري)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ .
أمَّا أداءُ الزكاةِ والصدقاتِ سببٌ لنزولِ الغيثِ مِن السماءِ، وتكثيرِ الرزقِ، فمِن بركاتِ السماءِ الغيثُ المنزلُ، ومِن بركاتِ الأرضِ اهتزازُهَا بالزرعِ، وزينتُهَا بالخضرةِ، ولا يملكُ ذلك إلّا اللهُ، وذلكَ مِن رزقهِ في السماءِ والأرضِ، ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ – لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ – فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ” (مسلم) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس : نعمة الماء
(3) وسائلُ الحفاظِ على نعمةِ الماءِ في الإسلامِ:
وضعَ الشارعُ الحكيمُ عدةَ وسائلَ لكي يحفظَ نعمةَ الماءِ، وتلك الوسائلُ هي أعظمُ مِن أنْ تُحصَى، أذكرُ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر :
أولاً: الترشيدُ في الاستعمالِ: إنَّ شكرَ نعمةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشكرِ باللسانِ بل يتعدّاهُ إلى الشكرِ بالاقتصادِ والترشيدِ في استعمالِهِ، فالإسرافُ تصرفٌ سيءٌ وسلوكٌ غيرُ حميدٍ، نهَى عنهُ القرآنُ المجيدُ، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» (متفق عليه)، والمُدُّ مِلءُ اليدينِ المُتوسطتينِ، وإذا كان الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مطلوباً فالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أولَى وأحرَى، فعن عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» (مسلم) .
وقد نهانَا رسولُنَا ﷺ عن الإسرافِ في الماءِ حتى ولو كان في الوضوءِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» (ابن ماجه)، وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» (النسائي) .
ولقد شددَ الصحابةُ وأهلُ العلمِ مِن بعدِهِم في المنعِ مِن الإسرافِ بالماءِ ولو كان على شاطئِ النهرِ أو البحرِ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: كَمْ يَكْفِينِي مِنَ الوُضُوءِ؟ قَالَ: مُدٌّ. قَالَ: كَمْ يَكْفِينِي لِلغُسْلِ؟ قَالَ: صَاعٌ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا يَكْفِينِي. قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ «قَدْ كَفَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» (أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات) .
إنَّ الماءَ ليس ملكاً لأحدٍ، وهذا ما قررَهُ النبيُّ ﷺ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: “ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ” (ابن ماجه)، وعَنْ أَبِي خِدَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ” (أحمد)، ومِن ثمَّ يجبُ المحافظةُ على نعمةِ الماءِ والتعاونُ مع الجهاتِ المعنيةِ في ذلك، وهو مطـلبٌ شرعيٌّ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾، فمِن المهمِّ الأخذُ بالوسائلِ التي تُعينُ على حفظِ المياهِ ومصادرِهَا مِن الهدرِ والضياعِ، والاستعانةُ بتقنيةِ الترشيدِ في البيوتِ، والاستفادةُ مِن المياهِ المسـتخدمةِ في الوضوءِ ونحوهِ في سقيِ المزروعاتِ والمسطحاتِ، فذلك خيرٌ مِن إهـدارِهَا، فالأممُ تملكُ عزَّهَا، وتحفظُ مجدَهَا بالحفاظِ على ثرواتِهَا ومواردِهَا، والتحكمِ بمَا في يديهَا .
ثانياً: النهيُ عن تلويثِ المياهِ بأيِّ وسيلةٍ كانت: الإسلامُ دِينُ رقيٍّ وحضارةٍ ينأَى بمصادرِ المياهِ عن كلِّ ما يكدرُ صفاءَهَا، ويلوثُ نقاءَهَا، فنهَى عن البولِ في الماءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» (مسلم)، ولأنَّ في ذلك تنجيساً للماءِ وإيذاءً لمستعمليهِ، فكلُّ سلوكٍ ينتجُ عنهُ تلوثُ المياهِ أو إهدارُهَا هو إيذاءٌ وضررٌ منهيٌّ عنهُ في الإسلامِ حيثُ كانتْ العربُ في بداوتِهِم لا يحافظونَ على نظافةِ مائِهِم، فترقَّى بهم الإسلامُ إلى أعلَى درجاتِ المحافظةِ على النظافةِ، نهاهُم أولاً عن البولِ في الماءِ الراكدِ، ثم نهاهُم عن الاغتسالِ في الماءِ الذي لا يجرِي، نهاهُم عن الانغماسِ في الآبارِ والمستنقعاتِ لرفعِ جنابتِهِم؛ لأنّهُم بذلك يفسدونَ نقاوةَ الماءِ، وإقبالَ النفوسِ عليهِ، ويحولُون النفسَ الأبيةَ عن استعمالِهِ في الوضوءِ أو الشربِ، أو طهيِ الطعامِ، وفي هذا يقولُ الدهلوي: (وحكمةُ النهيِ أنَّ كلَّ واحدٍ منهمَا لا يخلُو مِن أحدِ أمرين، إمَّا أنْ يغيرَ الماءَ بالفعلِ، أو يفضِي إلى التغييرِ بأنْ يراهُ الناسُ يفعلُ فيتتابعوا، وهو بمنزلةِ اللاعنين، اللهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ الماءُ مستبحراً أو جارياً، والعفافُ أفضلُ على كلِّ حالٍ) أ.ه.
إنَّ نهرَ النيلِ يستلزمُ منَّا جميعاً عدمَ تلويثِهِ بأيِّ وسيلةٍ؛ لأنّهُ أحدُ أنهارِ الجنةِ، وهو محفوظٌ بعنايةِ اللهِ – عزَّ وجلَّ- جاءَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ “رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ”، وقديماً قال هِيرُودُوت وَهُوَ يُؤَرِّخُ فِيمَا يُؤرِّخُ لَهُ: «إِنَّ مِصْرَ هِبَةُ النِّيلِ» .
ثالثاً: الإقلاعُ عن المعاصِي، والاكثارُ مِن الاستغفارِ: أرشدَنَا ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- في كتابِهِ العزيزِ إلى ذلكَ فقالَ: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: ” قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُونِي، لَأَسْقَيْتُهُمُ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ، وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ، وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ” (أحمد)، وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: “خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَرَاكَ اسْتَسْقَيْتَ؟ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمُجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾” (السنن الكبرى للبيهقي).
يقولُ الشوكانِيُّ تعقيباً على أثرِ سيدِنَا عمرَ رضي اللهُ عنه السابقِ: (وَاسْتَدَلَّ عُمَرُ بِالْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي ظَنَّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ اسْتِسْقَاءً مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ عِنْدَهَا الْمَطَرُ وَالْخِصْبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ قَدْ وَعَدَ عِبَادَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ الِاسْتِغْفَارُ وَاقِعًا مِنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ وَتَطَابَقَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ وُقُوعُهُ) . أ.ه. (نيل الأوطار)، ولا يكفِي الاستغفارُ بالقولِ بل لا بُدَّ مِن العزمِ على عدمِ العودِ، وردِّ الحقوقِ والمظالِمِ؛ لأنَّهَا مِن أسبابِ حلولِ النقمِ، وقحطِ المطرِ، قالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
أخيراً: أخي الحبيب: إنَّ سقْيَ الماءِ عبادةٌ مِن أفضلِ العباداتِ والأعمالِ، قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهُ حينَ سُئِلَ عن أفضلِ الصَّدَقةِ قال: الماء: “ألم تروا إلى أهلِ النارِ حين استغاثُوا بأهلِ الجنةِ ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ ﷺ: “نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ” (الأوسط للطبراني) .
قال الإمامُ القرطبيُّ تعقيباً على الآيةِ السابقةِ: (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَ الَّذِي سَقَى الْكَلْبَ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَقَى رَجُلًا مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا وَأَحْيَاهُ، وَعَكْسُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٍ من امرأة عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرض) أ.ه. (الجامع لأحكام القرآن، 7 / 216) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنُ يجعلَ بلدَدَنا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال ،،،،
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف